الأربعاء، 20 فبراير 2019

فرجة ″هوبي" عند قبائل «ذوي منيع» بتافيلالت.الصديق الصادقي العماري



الصديق الصادقي العماري[1]

v مقدمة
ارتبطت الثقافة الشعبية في مختلف مظاهرها (الرقص، الموسيقى، التمثيل، الشعر....إلخ) بالدين منذ طفولة البشرية ومهد الفنون، وأن ما نراه اليوم ليس من مبتكرات هذا العصر أو ذاك، وإنما هي أشكال تعبيرية قديمة قدم تعاطي الإنسان للفن واحتياجه إلى التعبير عما يجيش في نفسه من مشاعر وأحاسيس وآمال وطموح وأهواء، غير أن الناس تختلف في النظر إلى وظيفتها: من المتعة الفنية إلى الحقيقة التاريخية إلى ترميم الذات أو الذاكرة، أو وسائل أخرى تؤدي إلى ترقية المجتمع وتطوره بما تحمله من قيم وعادات وتقاليد ومعتقدات.
ومن خلال هذه المظاهر يمكن التعرف على صورة المجتمع ومدى تأثير الثقافات الوافدة والبيئة الطبيعية، وما يحب وما يكره من المآكل والمشارب واللباس، والصنائع والحرف، والسلوك والممارسات، وجانب التحولات في العادات والتقاليد والأشكال التعبيرية التي ميزت هذه الثقافة عن تلك، على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الوطني أو على مستوى الأمة.
ومن يغوص في عمق الذاكرة الشعبية لمنطقة تافيلالت يدرك غناها وثراءها بفنونها الأدبية الشعبية وحضورها الدائم في كل التحولات التي شهدها هذا المجتمع أو شهدها العالم عبر مختلف الأحداث، فعبر الناس من خلال هذه الفنون الشعبية عن مواقفهم وذواتهم وهمومهم، وقد نجد فيها ما يماثل بعض المناطق الأخرى، كما نجد فيها ما يخالفها .
والشيء المميز لسكان منطقة تافيلالت، خصوصا قبيلة ذوي منيع، ارتباطهم بالبيئة المحلية ارتباطا وثيقا، وقرب لغتهم من اللغة العربية الفصحى، لأن الفضاء الذي تدور فيه عبِق بروح الصحراء ورائحتها، خاصة في الشعر الشعبي في شكله ومضمونه، وفي تشابه الصور وبناء القصائد: كاعتماد المقدمة الطللية وتشبيب القصائد، وغير ذلك.
غير أن حياة البداوة التي عاشتها هذه القبيلة، وارتباطها بحياة الرعي والترحال، كانت أحد أسباب الحفاظ على كثير من خصوصيات الإنسان العربي في العصور الغابرة (العصر الجاهلي)، كالتزام أفرادها بالقيم العليا أي المروءة؛ من نجدة وإباء الضيم وأنفة وشجاعة وكرم وحسن جوار..، ومحافظتهم على لغتهم ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتوارثهم الشعر أبا عن جد إيمانا منهم بأن الشعر كما كان ديوان القبيلة، فسارعوا إلى حفظه وتغنوا به في مناسبات كثيرة، فكشفوا به عن الطموح والآمال التي كانوا ينشدونها، واعتمدوا في نظمه إيقاعا دقيقا قائما على طرائق مختلفة لها مسمياتها، وكانت تشهده ليالي سمرهم، واحتفالات زواجهم، وخاصة بعد رقصة هوبي المفضلة.
إن الحديث والخوض في التراث الثقافي للفرجات الفيلالية يرتبط باستحضار «تافيلالت» العريقة بوصفها فضاء ثقافيا رحبا له امتداداته التاريخية والجغرافية الضاربة في عمق التخوم الجنوبية الشرقية للمغرب. فالفرجات الفيلالية، مثلها مثل الفرجات الإنسانية بشكل عام، تتخذ أنماطا وأشكالا وصيغا متنوعة، وتتمظهر في شكل طقوس وشعائر أو احتفالات أو أعياد، كما يمتزج فيها الرقص بالغناء والإنشاد، وتعتمد اللغات والوسائل التعبيرية بما فيها الكلمة سواء كانت حكيا أو شعرا أو زجلا، إضافة إلى الإيقاع والجسد.
ورقصة هوبي أحد مظاهر هذه الأشكال التعبيرية الشعبية التي تشكل جزءا هاما في المنظومة الفكرية للإنسان، كغيرها من الأشكال الأخرى (الشعر، الأمثال، الألغاز، الرقص، الأغاني، الأناشيد، الحكايات، الأساطير، العادات، التقاليد، و غيرها من الصنائع والحرف واللباس وطرق الأكل، والشعائر وما يرافقها من طقوس..)، التي تحدد الأسس العقائدية والمعرفية والثقافية والتاريخية والأيديولوجية التي راهن عليها الإنسان منذ القديم، والتي بدأت ملامحها مع بداية الإنسان، وتشكل المجتمع في أي منطقة، ثم تطورت بتطور هذا الإنسان حتى اكتملت في صورتها المعروفة اليوم. فما هي أهم مميزات وخصائص قبائل ذوي منيع بتافيلالت؟ و من أين تستمد رقصة هوبي مقوماتها الفرجوية؟ و أين يتجل الحضور الفرجوي لرقصة هوبي؟ وما هي أبعاده وامتداداته المجتمعية والثقافية على وجه الخصوص؟
هذه الأسئلة وغيرها سأحاول الإجابة عنها من خلال مقاربة فرجة رقصة هوبي" المتجذرة في تاريخ منطقة تافيلالت.


 [1] باحث في علم الاجتماع (المسرح وفنون الفرجة)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق